بما أننا بلد زراعي وهكذا ندعي بمناسبة أو بلا مناسبة، لابد لنا أن نداوم على إبداء بالغ حرصنا على القطاع، وتقفّي آثار ما يجري من اهتمام ودعم حكومي لأن في ذلك حرصاً على ريادة اقتصادية وأكثر من ذلك ، على أمن غذائي في زمن مفاجآت جعلت وتجعل من الغذاء بين الحين والآخر مادة «عزيزة» عندما تعز فعلاً لاتنفع معها كل أموال الدنيا إن توفرت ؟، أي كالماء إلا قليل.
وقد يكون علينا قبل أن نبلغ غرضنا من طرح الفكرة، الإشارة الى جرعات الدعم السخي التي أسدتها الحكومة للزراعة، لكن ثمة تهديداً يلوح في الأفق يتوعد مجمل استراتيجيتنا الزراعية ذا علاقة بالبعد التنظيمي والإداري ولابد أن نسعى لقرارات أو إجراءات ما، من منطلق الاستعداد للمواجهة مع هكذا تحدٍ أو تهديد.
أما التهديد فهو متأتٍّ من حالة استنزاف سريعة تجري حالياً ومنذ سنوات لمساحات شاسعة من الأراضي الزراعية ذات الإنتاجية العالية، والتي أسهمت يوماً في الارتقاء بموقع سورية على قائمة الدول المنتجة زراعياً، ومنحتنا سمة البلد الزراعي التي لم نعد متيقنين من استحقاقنا لحيازتها أم لا.
ولعل في أراضي محافظتي طرطوس واللاذقية مثالاً قريباً وواضحاً للرؤية على ذلك، ففي طرطوس مثلاً بدأ العد منذ سنوات في مشروعات التوسع السكني شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً على حساب الأراضي المشجرة.
فالمشروع السادس كان منذ سنوات وبعده ظهر المشروع السابع والآن الثامن، والتاسع لن يتأخر بكل تأكيد.
كذلك الحكاية في سهل الغاب الشهير بخصوبته والذي كان مطرح تعاون واسع بين سورية ودول أخرى ومنظمات لتطويره واستصلاحه والارتقاء بإنتاجيته لأنه واعد فعلاً، لكن التوسع السكني العمراني يلتهم مساحات السهل، خصوصاً وأن توسع القرى افقي وليس عمودياً كما في المدن.
وفي دمشق وريفها تتوضع معظم المنشآت والمشروعات السياحية الجديدة في مناطق مصنفة كمناطق استقرار أولى ولم ننتبه لهذا الخلل إلا متأخرين.
لابد من حل إذاً، ونعتقده في حالتي طرطوس واللاذقية بتشجيع الأبنية البرجية وقد يكون فيما تنويه المؤسسة العامة للإسكان التي قررت بناء سكن الشباب هناك على شكل أبنية برجية عالية، إنموذج جدير بأن نفكر به ونقلّده.
وبالنسبة للغاب، لابد من إجراء تنظيمي ما يشجع الأبنية الطابقية لأفراد الأسرة الواحدة، اختصاراً للمساحات التي تشغل بالسكن تباعاً.
فالأكيد إن بقي التوسع العمراني على هذه الوتيرة- خصوصاً وأن ثقافة مجتمعنا تجعلنا دوما مصرين على المساحات الطابقية الكبيرة- الأكيد أننا سنجد أنفسنا بعد عقود بلا أراض زراعية.
لذا فلنعجل ولنوجه توسعنا العمراني نحو مناطق ليست زراعية أو نحو الأقل خصوبة والأقل جدوى كي نبقى بلداً زراعياً وبلد نعمة أي «الجميع شبعان».