إن إعلان تحديث حديقة المجاز في امارة الشارقة بكلفة 100 مليون درهم في الوقت الذي تحاول فيه بقية مدن العالم تقليص نفقاتها لتجاوز الصعاب يسلط الضوء على رغبة الشارقة في إعادة الريادة لجانب مهم كان يشكل اولوية من اولويات الإنسان العربي، وعلامة مهمة من علامات رفعته، وعلو مكانته.
وبنظرة على حدائق قصر الحمراء في غرناطة التي تشكل احدى اجمل مفاهيم الحدائق الأسلامية وما يتبعها من تناغم وفنون تترابط مع بعضها، فقد كان ما يميزها هو زيادة النباتات مثل الريحان التي تعطي رائحة عطرة لزوار هذه الحدائق.
ولا يمكن ان ننسى «جنة العريف» في غرناطة التي صممت على هيئة مدرجات والتي ينصب منها الماء من اعالي الحديقة عبر قنوات مائية بين الاشجار مما يعطي تمازجا ما بين الالوان وخرير المياه ويعطي بعدا مجسما للعمارة الاسلامية وعشقه للحدائق الغناء.
وما بين حدائق الشام وبلاد الرافدين وغرناطة والاندلس، يقول الأستاذ سيد قطب في الظلال: إن منظر الحدائق يبعث في القلب البهجة والنشاط والحيوية، وتأمُّل هذه البهجة والجمال الناضر الحي الذي يبعثها كفيلٌ بإحياء القلوب...
وإن تلوين زهرة واحدة وتنسيقها ليعجز عنه أعظم رجال الفنون من البشر، كما أن تموُّج الألوان وتداخل الخطوط وتنظيم الوريقات في الزهرة الواحدة ليبدو معجزة تتقاصر دونها عبقرية الفن في القديم والحديث، فضلاً عن معجزة الحياة النامية في الشجر، وهي السر الأكبر الذي يعجز عن فهمه البشر.
إن أهالي الشارقة من المواطنين والمقيمين والزائرين سيستمتعون بحديقة جديدة، حديقة يكون لها انعكاسات أيجابية في مجتمعات أصبحت كتلها الإسمنتية هي السمة السائدة للنمط السكني فيها، ومع ارتفاع قيمة الاراضي، وامكانية جني مليارات الدولارات عبر استثمارها في بناء مبانٍ متعددة الأغراض، فإن قرار توسيع الحديقة التي لن يكون لديها إيراد مادي يذكر سيكون متنفسا جديدا للبيئة، وذا فوائد جمة للبشر، قال تعالى: ((أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ)).
نحن واثقون من قدرات هيئة «شروق» المشرفة على المشروع، انها ستتمكن من خلق حديقة ستجد لها مكاناً في كتب التاريخ، وستتمكن من توفير بيئة نظيفة للبشر، وستذكر على انها كانت امتدادا لعطاء واصالة الإنسان العربي، فليس الغاية من تطويرها اليوم تحقيق ارباح بالمليارات كل عام على حساب البيئة على غرار ما تقوم به شركة بريتش بتروليوم منذ أكثر من ثلاثة شهور في خليج المكسيك.
وما بين موعد الانجاز، وبدء المهرجان المائي المعروف بتنظيمه المميز، سيكون لنا لقاء آخر، سائلين الله تعالى - في الختام - أن يُعيد للأمة الإسلامية بهاء حضارتها، وللإنسانية جمعاء صفاء فطرتها، وللإنسان العربي هيبته ورفعته ومجده.